الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها) قال ابن بطال: مقصوده بهذه الترجمة تصحيح القول بأن الاسم هو المسمى، فلذلك صحت الاستعاذة بالاسم كما تصح بالذات، وأما شبهة القدرية التي أوردوها على تعدد الأسماء، فالجواب عنها أن الاسم يطلق ويراد به المسمى كما قررناه، ويطلق ويراد به التسمية وهو المراد بحديث الأسماء. وذكر في الباب تسعة أحاديث كلها في التبرك باسم الله والسؤال به والاستعاذة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ تَابَعَهُ يَحْيَى وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ زُهَيْرٌ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث أبي هريرة في القول عند النوم وقد تقدم شرحه مستوفى في الدعوات وفيه " باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه " قال ابن بطال: أضاف الوضع إلى الاسم، والرفع إلى الذات فدل على أن المراد بالاسم الذات وبالذات يستعان في الرفع والوضع لا باللفظ. قوله (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة) قال الدار قطني في غرائب مالك بعد أن أخرجه من طرق إلى " عبد العزيز بن عبد الله " وهو الأويسي شيخ البخاري فيه " لا أعلم أحدا أسنده عن مالك إلا الأويسي " ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. قوله (فلينفضه بصنفة ثوبه) الصنفة: بفتح المهملة وكسر النون بعدها فاء طرته، وقيل طرفه، وقيل جانبه، وقيل حاشيته التي فيها هدبه. وقال في النهاية طرفه: الذي يلي طرته. قلت: وتقدم في الدعوات بلفظ " داخلة إزاره " وتقدم هناك معناها، فالأولى هنا أن يقال المراد طرفه الذي من الداخل جمعا بين الروايتين. قوله (ثلاث مرات) هكذا زادها مالك في الروايتين الموصولة والمرسلة وتابعه عبد الله بن عمر بسكون الموحدة، وقد فرق بينهما الدار قطني في روايته المذكورة عن الأويسي عنهما، وحذف البخاري عبد الله بن عمر العمري لضعفه واقتصر على مالك، وقد تقدم البحث في جواز حذف الضعيف، والاقتصار على الثقة إذا اشتركا في الرواية في " كتاب الاعتصام"، وصنيع البخاري يقتضي الجواز لكن لم يطرد له في ذلك عمل فإنه حذفه تارة كما هنا، وأثبته أخرى لكن كنى عنه ابن فلان كما مضى التنبيه عليه هناك، ويمكن الجمع بأنه حيث حذفه كان اللفظ الذي ساقه للذي اقتصر عليه بخلاف الآخر. قوله (فاغفر لها) تقدم في الدعوات بلفظ " فارحمها " وجمع بينهما إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري، أخرجه المخلص في أواخر الأول من فوائده. قوله عقبه (تابعه يحيى) يريد ابن سعيد القطان و " عبيد الله " هو ابن عمر العمري، و " سعيد " هو المقبري، و " زهير " هو ابن معاوية، و " أبو ضمرة " هو أنس بن عياض، والمراد بإيراد هذه التعاليق بيان الاختلاف على سعيد المقبري هل روى الحديث عن أبي هريرة بلا واسطة أو بواسطة أبيه، وقد تقدم بيان من وصلها كلها في " كتاب الدعوات". الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الشرح: حديث حذيفة وأبي ذر في القول عند النوم أيضا وفيه " اللهم باسمك أحيا وأموت " وقد تقدم شرحهما في الدعوات. الحديث: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الشرح: حديث حذيفة وأبي ذر في القول عند النوم أيضا وفيه " اللهم باسمك أحيا وأموت " وقد تقدم شرحهما في الدعوات. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا الشرح: حديث ابن عباس في القول عند الجماع وقد تقدم شرحه في " كتاب النكاح " وقوله " فإنه إن يقدر بينهما ولد " المراد إن كان قدر لأن التقدير أزلي لكن عبر بصيغة المضارعة بالنسبة للتعلق. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ أُرْسِلُ كِلَابِي الْمُعَلَّمَةَ قَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ الشرح: حديث عدي في الصيد، قد تقدم شرحه في الذبائح. الحديث: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا قَالَ اذْكُرُوا أَنْتُمْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الشرح: حديث عائشة في الأمر بالتسمية عند الأكل، وقد تقدم في الذبائح أيضا، وقوله فيه " تابعه محمد بن عبد الرحمن " هو الطفاوي، و " عبد العزيز بن محمد " هو الدراوردي، و " أسامة بن حفص " هو المدني، وتقدم في الذبائح بيان من وصلها، وطريق الدراوردي وصلها محمد بن أبي عمر العدني في مسنده عنه، وتقدم القول في هذا السند بأشبع من هذا هناك. (تنبيهان) : أحدهما وقع قوله " تابعه " إلخ. هنا عقب حديث أبي هريرة المبدأ بذكره في هذا الباب عند كريمة والأصلي وغيرهما والصواب ما وقع عند أبي ذر وغيره أن محل ذلك عقب حديث عائشة وهو سادس أحاديث الباب. ثانيهما: وقع في هذه الرواية " أن هنا أقواما حديثا عهدهم بالشرك يأتونا " كذا فيه بنون واحدة وهي لغة من يحذف النون مع الرفع، وجوز الكرماني أن يكون بتشديد النون مراعاة للغة المشهورة، لكن التشديد في مثل هذا قليل. الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ الشرح: حديث أنس في الأضحية بكبشين، وفيه " فسمى وكبر " وقد تقدم شرحه في الأضاحي. الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ الشرح: حديث جندب في منع الذبح في العيد قبل الصلاة، وفيه قوله " فليذبح بسم الله " وقد تقدم شرحه في الضحايا أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ الشرح: حديث ابن عمر " لا تحلفوا بآبائكم " تقدم شرحه في الأيمان والنذور، قال نعيم بن حماد في الرد على الجهمية: دلت هذه الأحاديث. يعني الواردة في الاستعاذة بأسماء الله وكلماته، والسؤال بها مثل أحاديث الباب، وحديث عائشة، وأبي سعيد " بسم الله أرقيك " وكلاهما عند مسلم، وفي الباب عن عبادة وميمونة وأبي هريرة وغيرهم عند النسائي وغيره بأسانيد جياد، على أن القرآن غير مخلوق إذ لو كان مخلوقا لم يستعذ بها إذ لا يستعاذ بمخلوق، قال الله تعالى (فاستعذ بالله) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " وإذا استعذت فاستعذ بالله " وقال الإمام أحمد في " كتاب السنة " قالت الجهمية لمن قال إن الله لم يزل بأسمائه وصفاته، قلتم بقول النصارى حيث جعلوا معه غيره، فأجابوا بأنا نقول إنه واحد بأسمائه وصفاته، فلا نصف إلا واحدا بصفاته كما قال تعالى *3* وَقَالَ خُبَيْبٌ وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى الشرح: قوله (باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله عز وجل) أي ما يذكر في ذات الله ونعوته من تجويز إطلاق ذلك كأسمائه، أو منعه لعدم ورود النص به فأما الذات فقال الراغب: هي تأنيث ذو، وهي كلمة يتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع وتضاف إلى الظاهر دون المضمر وتثنى وتجمع ولا يستعمل شيء منها إلا مضافا، وقد استعاروا لفظ الذات لعين الشيء واستعملوها مفردة ومضافة وأدخلوا عليها الألف واللام وأجروها مجرى النفس والخاصة، وليس ذلك من كلام العرب انتهى. وقال عياض ذات الشيء نفسه وحقيقته، وقد استعمل أهل الكلام الذات بالألف واللام، وغلطهم أكثر النحاة وجوزه بعضهم لأنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشيء، وجاء في الشعر لكنه شاذ، واستعمال البخاري لها دال على ما تقدم من أن المراد بها نفس الشيء على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى ففرق بين النعوت والذات. وقال ابن برهان: إطلاق المتكلمين الذات في حق الله تعالى من جهلهم، لأن ذات تأنيث ذو، وهو جلت عظمته لا يصح له إلحاق تاء التأنيث، ولهذا امتنع أن يقال علامة وإن كان أعلم العالمين. قال: وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا لأن النسب إلى ذات: ذوي. وقال التاج الكندي في الرد على الخطيب بن نباتة في قوله كنه ذاته ذات، بمعنى صاحبة تأنيث ذو وليس لها في اللغة مدلول غير ذلك، وإطلاق المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين، وتعقب بأن الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة، أما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور لقوله تعالى وقال النووي في تهذيبه: وأما قولهم - أي الفقهاء - في باب الأيمان فإن حلف بصفة من صفات الذات، وقول المهذب اللون كالسواد والبياض أعراض تحل الذات فمرادها بالذات الحقيقة وهو اصطلاح المتكلمين وقد أنكره بعض الأدباء وقال لا يعرف في لغة العرب ذات بمعنى حقيقة، قال وهذا الإنكار منكر فقد قال الواحدي في قوله تعالى وقال: الزجاج معنى ذات حقيقة والمراد بالبين الوصل، فالتقدير: فأصلحوا حقيقة وصلكم، قال فذات عنده بمعنى النفس. وقال غيره ذات هنا كناية عن المنازعة فأمروا بالموافقة، وتقدم في أواخر النفقات شيء آخر في معنى ذات يده، وأما " النعوت " فإنها جمع نعت وهو الوصف، يقال نعت فلان نعتا مثل وصفه وصفا وزنه ومعناه، وقد تقدم البحث في إطلاق الصفة في أوائل " كتاب التوحيد " وأما " الأسامي " فهي جمع اسم وتجمع أيضا على أسماء قال ابن بطال أسماء الله تعالى على ثلاثة أضرب أحدها يرجع إلى ذاته وهو الله، والثاني يرجع إلى صفة قائمة به كالحي، والثالث يرجع إلى فعله كالخالق؛ وطريق إثباتها السمع، والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أن صفات الذات قائمة به وصفات الفعل ثابتة له بالقدرة ووجود المفعول بإرادته جل وعلا. قوله (وقال خبيب) بالمعجمة والموحدة مصغر هو ابن عدي الأنصاري. قوله (وذلك في ذات الإله) يشير إلى البيت المذكور في الحديث المساق في الباب، وقد تقدم شرحه مستوفى في المغازي، وتقدم في " كتاب الجهاد " في باب هل يستأسر الرجل. قوله (فذكر الذات باسمه تعالى) أي ذكر الذات متلبسا باسم الله، أو ذكر حقيقة الله بلفظ الذات قاله الكرماني. قلت: وظاهر لفظه أن مراده أضاف لفظ الذات إلى اسم الله تعالى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره فكان جائزا. وقال الكرماني " قيل ليس فيه " يعني قوله ذات الإله دلالة على الترجمة لأنه لم يرد بالذات الحقيقة التي هي مراد البخاري وإنما مراده وذلك في طاعة الله أو في سبيل الله، وقد يجاب بأن غرضه جواز إطلاق الذات في الجملة انتهى. والاعتراض أقوى من الجواب وأصل الاعتراض للشيخ تقي الدين السبكي فيما أخبرني به عنه شيخنا أبو الفضل الحافظ، وقد ترجم البيهقي في الأسماء والصفات ما جاء في الذات، وأورد حديث أبي هريرة المتفق عليه في ذكر إبراهيم عليه السلام " إلا ثلاث كذبا اثنتين في ذات الله " وتقدم شرحه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وحديث أبي هريرة المذكور في الباب، وحديث ابن عباس " تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله " موقوف وسنده جيد، وحديث أبي الدرداء " لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله " ورجاله ثقات إلا أنه منقطع، ولفظ ذات في الأحاديث المذكورة بمعنى من أجل أو بمعنى حق، ومثله قول حسان: وإن أخا الأحقاف إذ قام فيهم يجاهد في ذات الإله ويعدل وهي كقوله تعالى حكاية عن قول القائل: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، فالذي يظهر أن المراد جواز إطلاق لفظ ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذا عرف أن المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في الكتاب العزيز، ولهذه النكتة عقب المصنف بترجمة النفس، وسيأتي في باب الوجه أنه ورد بمعنى الرضا وقال ابن دقيق العيد في العقيدة: تقول في الصفات المشكلة أنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأولها نظرنا فإن كان تأويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه. وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه عليه لقوله " على ما فرطت في جنب الله " فإن المراد به في استعمالهم الشائع حق الله فلا يتوقف في حمله عليه، وكذا قوله " إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن " فإن المراد به إرادة قلب ابن آدم مصرفة بقدرة الله وما يوقعه فيه، وكذا قوله تعالى وقال غيره اتفق المحققون على أن حقيقة الله مخالفة لسائر الحقائق، وذهب بعض أهل الكلام إلى أنها من حيث إنها ذات مساوية لسائر الذوات، وإنما تمتاز عنها بالصفات التي تختص بها كوجوب الوجود، والقدرة التامة، والعلم التام، وتعقب بأن الأشياء المتساوية في تمام الحقيقة يجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر " فيلزم من دعوى التساوي المحال، وبأن أصل ما ذكروه قياس الغائب على الشاهد وهو أصل كل خبط، والصواب الإمساك عن أمثال هذه المباحث والتفويض إلى الله في جميعها والاكتفاء بالإيمان بكل ما أوجب الله في كتابه أو على لسان نبيه إثباته له أو تنزيهه عنه على طريق الإجمال وبالله التوفيق، ولو لم يكن في ترجيح التفويض على التأويل إلا أن صاحب التأويل ليس جازما بتأويله بخلاف صاحب التفويض. *3* وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه، وقول الله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) قال الراغب نفسه: ذاته، وهذا وإن كان يقتضي المغايرة من حيث أنه مضاف ومضاف إليه فلا شيء من حيث المعنى سوى واحد سبحانه وتعالى عن الأثنينية من كل وجه، وقيل إن إضاقة النفس هنا إضافة ملك، والمراد بالنفس نفوس عباده انتهى ملخصا، ولا يخفى بعد الأخير وتكلفه. وترجم البيهقي في الأسماء والصفات النفس وذكر هاتين الآيتين، وقوله تعالى قلت: وفيه أيضا الحديث الذي فيه " سبحان الله رضا نفسه " ثم قال: والنفس في كلام العرب على أوجه منها الحقيقة كما يقولون في نفس الأمر وليس للأمر نفس منفوسة، ومنها الذات قال وقد قيل في قوله تعالى وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ الشرح: حديث " عبد الله " وهو ابن مسعود " ما من أحد أغير من الله - وفيه - وما أحد أحب إليه المدح من الله " كذا وقع هنا مختصرا، وتقدم في تفسير سورة الأنعام من طريق " أبي وائل " وهو شقيق بن سلمة المذكور هنا أتم منه، وهذا الحديث مداره في الصحيحين على أبي وائل، وأخرجه مسلم في رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن ابن مسعود نحوه، وزاد فيه " ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل " وهذه الزيادة عند المصنف في حديث المغيرة الآتي في باب " لا شخص أغير من الله " قال ابن بطال في هذه الآيات والأحاديث إثبات النفس لله، وللنفس معان، والمراد ينفس الله ذاته وليس بأمر مزيد عليه فوجب أن يكون هو، وأما قوله " أغير من الله " فسبق الكلام عليه في " كتاب الكسوف " وقيل غيرة الله كراهة إتيان الفواحش، أي عدم رضاه بها لا التقدير، وقيل الغضب لازم الغيرة ولازم الغضب إرادة إيصال العقوبة وقال الكرماني: ليس في حديث ابن مسعود هذا ذكر النفس، ولعله أقام استعمال أحد مقام النفس لتلازمهما في صحة استعمال كل واحد منهما مقام الآخر، ثم قال والظاهر أن هذا الحديث كان قبل هذا الباب فنقله الناسخ إلى هذا الباب انتهى، وكل هذا غفلة عن مراد البخاري، فإن ذكر النفس ثابت في هذا الحديث الذي أورده، وإن كان لم يقع في هذه الطريق لكنه أشار إلى ذلك كعادته، فقد أورده في تفسير سورة الأنعام بلفظ " لا شيء " وفي تفسير سورة الأعراف بلفظ " ولا أحد " ثم اتفقا على " أحب إليه المدح من الله " ولذلك مدح نفسه، وهذا القدر هو المطابق للترجمة وقد كثر منه أن يترجم ببعض ما ورد في طرق الحديث الذي يورده ولو لم يكن ذلك القدر موجودا في تلك الترجمة. وقد سبق الكرماني إلى نحو ذلك ابن المنير فقال: ترجم على ذكر النفس في حق الباري وليس في الحديث الأول للنفس ذكر، فوجه مطابقته أنه صدر الكلام بأحد، وأحد الواقع في النفي عبارة عن النفس على وجه مخصوص بخلاف أحد الواقع في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي الشرح: قوله (كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه) كذا لأبي ذر وسقطت الواو لغيره، وعلى الأول فالجملة حالية، وعلى الثاني فيكتب على نفسه بيان لقوله " كتب " والمكتوب هو قوله " إن رحمتي " إلخ، وقوله "وهو " أي المكتوب وضع بفتح فسكون أي موضوع، ووقع كذلك في الجمع للحميدي بلفظ موضوع وهي رواية الإسماعيلي فيما أخرجه من وجه آخر عن أبي حمزة المذكور في السند وهو بالمهملة والزاي واسمه محمد بن ميمون السكري، وحكى عياض عن رواية أبي ذر وضع بالفتح على أنه فعل ماض مبني للفاعل، ورأيته في نسخة معتمدة بكسر الضاد مع التنوين، وقد مضى شرح هذا الحديث في أوائل بدء الخلق، ويأتي شيء من الكلام عليه في باب وقال الراغب عند لفظ موضوع للقرب ويستعمل في المكان وهو الأصل، ويستعمل في الاعتقاد: تقول عندي في كذا كذا أي أعتقده، ويستعمل في المرتبة ومنه وقال ابن التين معنى العندية في هذا الحديث العلم بأنه موضوع على العرش، وأما كتبه فليس للاستعانة لئلا ينساه فإنه منزه عن ذلك لا يخفى عنه شيء وإنما كتبه من أجل الملائكة الموكلين بالمكلفين. الحديث: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً الشرح: قوله (يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي) أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به. وقال الكرماني وفي السياق إشارة إلى ترجيح جان الرجاء على الخوف وكأنه أخذه من جهة التسوية فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " وهو عند مسلم من حديث جابر. وأما قبل ذلك ففي الأول أقوال ثالثها الاعتدال وقال ابن أبي جمرة المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله وقال ويؤيده قوله في الحديث الآخر ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة قال ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنا بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور " فليظن بي عبدي ما شاء " قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة. قوله (وأنا معه إذا ذكرني) أي بعلمي وهو كقوله قوله (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) أي إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا. وقال ابن أبي جمرة يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى قوله (وإن ذكرني في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة (ذكرته في ملأ خير منهم) قال بعض أهل العلم يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى وقال ابن بطال هذا نص في أن الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل (إلا أن تكونا ملك أو تكونا من الخالدين) والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضا إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أدلة تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس (أرأيت هذا الذي كرمت علي) ومنها قوله تعالى ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى فقال إن الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه، وقابل ذكر العبد في الملأ بذكره له في الملأ فإنما صار الذكر في الملأ الثاني خيرا من الذكر في الأول لأن الله وهو الذاكر فيهم والملأ الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملأ الذين يذكرون وليس الله فيهم، ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم - الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله وقال البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم أن الملائكة أفضل من الأنبياء. وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه، وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة، فأريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل، كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس، وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش، بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح، وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا. وقال الطيبي لا تتم لهم الدلالة إلا إن سلم أن الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح: لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه، والذي يدعي ذلك يحتاج إلى إثبات أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح، وهم لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به، قال وسياقه الآية من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي، وذلك أنه قدم قوله (إنما الله إله واحد - إلى قوله - وكيلا) فقرر الوحدانية والمالكية والقدرة التامة، ثم أتبعه بعدم الاستنكاف، فالتقدير لا يستحق من اتصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال. قلت: وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا، ولفظه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون أن الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث، ومنها قوله تعالى (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، لا أقول لكم إني ملك) ففي أن يكون ملكا، فدل على أنهم أفضل، وتعقب بأنه إنما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب؛ وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرب والجماع، وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك، ولا يستلزم ذلك التفضيل، ومنها أنه سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا، قال في جبريل وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي، وبالغ الأئمة في الرد عليه في ذلك وهو من زلاته الشنيعة. قوله (وإن تقرب إلي شبرا) في رواية المستملي والسرخسي " بشبر " بزيادة موحدة في أوله، وسيأتي شرحه في أواخر " كتاب التوحيد " في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه. *3* الشرح: قوله (باب قول الله عز وجل: كل شيء هالك إلا وجهه) ذكر في حديث جابر في نزول قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ فَقَالَ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَيْسَرُ الشرح: حديث جابر في نزول قوله تعالى وقال غيره دلت الآية على أن المراد بالترجمة الذات المقدسة، ولو كانت صفة من صفات الفعل لشملها الهلاك كما شمل غيرها من الصفات وهو محال. وقال الراغب أصل الوجه: الجارحة المعروفة، ولما كان الوجه أول ما يستقبل وهو أشرف ما في ظاهر البدن، استعمل في مستقبل كل شيء وفي مبدئه وفي إشراقه، فقيل وجه النهار، وقيل وجه كذا أي ظاهره، وربما أطلق الوجه على الذات كقولهم كرم الله وجهه، وكذا قوله تعالى قلت: وهذا الأخير نقل عن سفيان وغيره وقد تقدم ما ورد فيه في أول تفسير سورة القصص وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد أو الوجه الذي لا كالوجوه، لاستحالة حمله على العضو المعروف، فتعين التأويل أو التفويض. وقال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة، وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا رداء الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى، وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله *3* وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا الشرح: قوله (باب قول الله تعالى ولتصنع على عيني: تغذي) كذا وقع في رواية المستملي والأصيلي بضم التاء وفتح الغين المعجمة بعدها معجمة ثقيلة من التغذية، ووقع في نسخة الصغاني بالدال المهملة وليس بفتح أوله على حذف إحدى التاءين فإنه تفسير تصنع، وقد تقدم في تفسير سورة طه قال ابن التين هذا التفسير لقتادة، ويقال صنعت الفرس إذا أحسنت القيام عليه. قوله (وقوله تعالى تجري بأعيننا) أي بعلمنا وذكر فيه حديثي ابن عمر ثم أنس في ذكر الدجال، وقد تقدما مشروحين في " كتاب الفتن " وفيهما أن الله ليس بأعور، وقوله هنا وأشار بيده إلى عينه كذا للأكثر عن موسى ابن إسماعيل عن جويرية، وذكره أبو مسعود في الأطراف عن مسدد بدل موسى والأول هو الصواب، وقد أخرجه عثمان الدارمي في كتاب الرد على بشر المريسي عن موسى بن إسماعيل مثله. ورواه عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه جويرية بدون الزيادة التي في آخره، أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عنه، وأخرجه الإسماعيلي عنهما قال الراغب: العين الجارحة، ويقال للحافظ للشيء المراعى له: عين، ومنه فلان بعيني أي أحفظه، ومنه قوله تعالى وقال ابن بطال احتجت المجسمة بهذا الحديث. وقالوا في قوله وأشار بيده إلى عينه دلالة على أن عينه كسائر الأعين، وتعقب باستحالة الجسمية عليه لأن الجسم حادث وهو قديم؛ فدل على أن المراد نفي النقص عنه انتهى، وقد تقدم شيء من هذا في باب قوله تعالى وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له، أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين، فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى، قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح. وقال غيره لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ولا المنع من ذكره، ومن المحال أن يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه وينزل عليه وقد سئلت هل يجوز لقارئ هذا الحديث أن يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجبت وبالله التوفيق أنه إن حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه الله تعالى عن صفات الحدوث وأراد التأسي محضا جاز، والأولى به الترك خشية أن يدخل على من يراه شبهة التشبيه تعالى الله عن ذلك، ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على معنى خطر لي فيه إثبات التنزيه، وحسم مادة التشبيه عنه، وهو أن الإشارة إلى عينه صلى الله عليه وسلم إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال فإنها كانت صحيحة مثل هذه ثم طرأ عليها العور لزيادة كذبه في دعوى الإلهية، وهو أنه كان صحيح العين مثل هذه فطرأ عليها النقص ولم يستطع دفع ذلك عن نفسه.
*3* الشرح: قوله (باب قول الله تعالى هو الخالق البارئ المصور) كذا للأكثر والتلاوة وقال الحليمي " الخالق " معناه الذي جعل المبدعات أصنافا وجعل لكل صنف منها قدرا، و " البارئ " معناه الموجد لما كان في معلومه، وإليه الإشارة بقوله وقال الراغب ليس الخلق بمعنى الإبداع إلا لله وإلى ذلك أشار بقوله تعالى *3* الشرح: قوله (باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي) قال ابن بطال: في هذه الآية إثبات يدين لله، وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة، ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة، أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة في قول النفاة، لأنهم يقولون إنه قادر لذاته ويدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن في قوله تعالى لإبليس وقال ابن التين قوله " وبيده الأخرى الميزان". يدفع تأويل اليد هنا بالقدرة، وكذا قوله في حديث ابن عباس رفعه " أول ما خلق الله القلم، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين " الحديث. وقال ابن فورك: قيل اليد بمعنى الذات وهذا يستقيم في مثل قوله تعالى وقال غيره هذا يساق مساق التمثيل للتقريب لأنه عهد أن من اعتنى بشيء واهتم به باشره بيديه، فيستفاد من ذلك أن العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره، واليد في اللغة تطلق لمعان كثيرة اجتمع لنا منها خمسة وعشرون معنى ما بين حقيقة ومجاز: الأول الجارحة، الثاني القوة نحو ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث للثالث منها أربعة طرق، وللرابع طريقان. الحديث: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكَ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَهَا وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ لِي ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ قُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا ثُمَّ أَشْفَعْ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنْ الْخَيْرِ ذَرَّةً الشرح: حديث أنس في الشفاعة وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر " كتاب الرقاق " والغرض منه هنا قول أهل الموقف لآدم " خلقك الله بيده". قوله (حدثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة، وحكى بعضهم ضم الفاء و " هشام " شيخه هو الدستوائي، وقوله "عن أنس " تقدمت الإشارة في الرقاق إلى ما وقع في بعض طرقه بلفظ " حدثنا أنس". قوله (يجمع المؤمنون يوم القيامة كذلك) هكذا للجميع وأظن أول هذه الكلمة لام، والإشارة ليوم القيامة أو لما يذكر بعد، وقد وقع عند مسلم من رواية معاذ بن هشام عن أبيه " يجمع الله المؤمنين يوم القيامة فيهتمون لذلك " وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة " يهتمون - أو - يلهمون لذلك " بالشك وسيأتي في باب قال الكرماني هو من التشفيع، ومعناه قبول الشفاعة ليس هو المراد هنا، فيحتمل أن يكون التثقيل للتكثير أو للمبالغة. وقوله "لست هناك " كذا للأكثر في الموضعين، ولأبي ذر عن السرخسي " هناكم " وقوله " فيؤذن لي " في رواية أبي ذر عن الكشميهني " ويؤذن لي " بالواو وقوله " قل يسمع " كذا للأكثر بالتحتانية ولأبي ذر عن السرخسي والكشميهني بالفوقانية الموضعين، وقوله "سل تعطه " لأبي ذر عن المستملي " تعط " في الموضعين بلا هاء. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ وَقَالَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ الشرح: حديث أبي هريرة من طريق أبي الزناد عن الأعرج. قوله (يد الله) تقدم في تفسير سورة هود في أول هذا الحديث من الزيادة " أنفق أنفق عليك " ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية همام لكن ساقها فيه مسلم وأقودها البخاري كما سيأتي في باب قوله (ملأى) بفتح الميم وسكون اللام وهمزة مع القصر تأنيث ملآن ووقع بلفظ " ملآن " في رواية لمسلم وقيل هي غلط ووجهها بعضهم بإرادة اليمين فإنها تذكر وتؤنث، وكذلك الكف، والمراد من قوله ملأى أو ملآن لازمه وهو أنه في غاية الغنى وعنده من الرزق ما لا نهاية له في علم الخلائق. قوله (لا يغيضها) بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها، يقال غاض الماء يغيض إذا نقص. قوله (سحاء) بفتح المهملتين مثقل ممدود أي دائمة الصب، يقال سح بفتح أوله مثقل يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها، وضبط في مسلم " سحا " بلفظ المصدر. قوله (الليل والنهار) بالنصب على الظرف أي فيهما ويجوز الرفع، ووقع في رواية لمسلم " سح الليل والنهار " بالإضافة وفتح الحاء ويجوز ضمها. قوله (أرأيتم ما أنفق) تنبيه على وضوح ذلك لمن له بصيرة. قوله (منذ خلق الله السموات والأرض) سقط لفظ الجلالة لغير ذر وهو رواية همام. قوله (فإنه لم يغض) أي ينقص، ووقع في رواية همام " لم ينقص ما في يمينه " قال الطيبي يجوز أن تكون ملأى ولا يغيضها " وسحاء وأرأيت " أخبارا مترادفة ليد الله، ويجوز أن تكون الثلاثة أوصافا لملأى ويجوز أن يكون " أرأيتم " استئنافا فيه معنى الترقي، كأنه لما قيل ملأى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها شيء، وقد يمتلئ الشيء ولا يغيض، فقيل سحاء إشارة إلى الغيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عام والهمزة فيه للتقرير، قال وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر إلى مفرداته أبان زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء. قوله (وقال عرشه على الماء) سقط لفظ " قال " من رواية همام، ومناسبة ذكر العرش هنا أن السامع يتطلع من قوله " خلق السموات والأرض " ما كان قبل ذلك، فذكر ما يدل على أن عرشه قبل خلق السموات والأرض على الماء كما وقع في حديث عمران بن حصين الماضي في بدء الخلق بلفظ " كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض". قوله (وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع) أي يخفض الميزان ويرفعها، قال الخطابي الميزان مثل، والمراد القسمة بين الخلق، وإليه الإشارة بقوله يخفض ويرفع. وقال الداودي معنى الميزان أنه قدر الأشياء ووقتها وحددها فلا يملك أحد نفعا ولا ضرا إلا منه وبه، ووقع في رواية همام " وبيده الأخرى الفيض أو القبض " الأولى بفاء وتحتانية والثانية بقاف وموحدة، كذا للبخاري بالشك ولمسلم بالقاف والموحدة بلا شك، وعن بعض رواته فيما حكاه عياض بالفاء والتحتانية والأول أشهر، قال عياض المراد بالقبض قبض الأرواح بالموت، وبالفيض الإحسان بالعطاء وقد يكون بمعنى الموت، يقال فاضت نفسه إذا مات، ويقال بالضاد وبالظاء ا هـ، والأولى أن يفسر بمعنى الميزان ليوافق رواية الأعرج التي في هذا الباب فإن الذي يوزن بالميزان يخف ويرجح، فكذلك ما يقبض، ويحتمل أن يكون المراد بالقبص المنع لأن الإعطاء قد ذكر في قوله قبل ذلك سحاء الليل والنهار، فيكون مثل قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ سَمِعْتُ سَالِمًا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ الشرح: قوله (مقدم بن محمد) تقدم ذكره وذكر عمه في تفسير سورة النور. قوله (إن الله يقبض يوم القيامة الأرض) في حديث أبي هريرة الماضي في باب قوله ملك الناس " يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه " وفي رواية عمر بن حمزة التي يأتي التنبيه على من وصلها " يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ويطوي الأرض ثم يأخذهن بشماله " وعند أبي داود بدل قوله بشماله " بيده الأخرى " وزاد في رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع وأبي حازم عن ابن عمر " فيجعلهما في كفه ثم يرمي بهما كما يرمي الغلام بالكرة". قوله (ويقول أنا الملك) زاد في رواية عمر بن حمزة " أين الجبارون أين المتكبرون". قوله (رواه سعيد عن مالك) يعني عن نافع وصله الدار قطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي في السنة من طريق أبي بكر الشافعي عن محمد بن خالد الآجري عن سعيد وهو ابن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي وسكون النون بعدها موحدة مفتوحة ثم راء، وهو مدني سكن بغداد وحدث بالري، وكنيته أبوه عثمان وما له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد حدث عنه في " كتاب الأدب المفرد " وتكلم فيه جماعة. وقال في روايته إن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر أخبره، وقد روى عن مالك ممن اسمه سعيد أيضا سعيد بن كثير بن عفير وهو من شيوخ البخاري، ولكن لم نجد هذا الحديث من روايته، وصرح المزي وجماعة بأن الذي علق له البخاري هنا هو الزبيري. قوله (وقال عمر بن حمزة) يعني ابن عبد الله بن عمر الذي تقدم ذكره في الاستسقاء، وشيخه سالم هو ابن عبد الله بن عمر عم عمر المذكور، وحديثه هذا وصله مسلم وأبو داود وغيرهما من رواية أبي أسامة عنه، قال البيهقي تفرد بذكر الشمال فيه عمر بن حمزة، وقد رواه عن ابن عمر أيضا نافع وعبيد الله بن مقسم بدونها، ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وثبت عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه " المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين " وكذا في حديث أبي هريرة " قال آدم اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين " وساق من طريق أبي يحيى القتات بقاف ومثناة ثقيلة وبعد الألف مثناة أيضا عن مجاهد في تفسير قوله تعالى وسيأتي كلام الخطابي في ذلك في باب قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ الشرح: قوله (سفيان) هو الثوري و " منصور " هو ابن المعتمر، " وسليمان " هو الأعمش و " إبراهيم " هو النخعي و " عبيدة " بفتح أوله هو ابن عمرو وقد تابع سفيان الثوري عن منصور على قوله عبيدة شيبان بن عبد الرحمن عن منصور كما مضى في تفسير سورة الزمر، وفضيل بن عياض المذكور بعده، وجرير بن عبد الحميد عند مسلم، وخالفه عن الأعمش في قوله عبيدة حفص بن غياث المذكور في الباب، وجرير وأبو معاوية وعيسى بن يونس عند مسلم ومحمد بن فضيل عند الإسماعيلي، فقالوا كلهم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بدل عبيدة، وتصرف الشيخين يقتضي أنه عند الأعمش على الوجهين، وأما ابن خزيمة فقال هو في رواية الأعمش عن إبراهيم عن علقمة. وفي رواية منصور عن إبراهيم عن عبيدة وهما صحيحان. قوله (قال يحيى) هو ابن سعيد القطان راويه عن الثوري. قوله (وزد فيه فضيل بن عياض) هو موصول، ووهم من زعم أنه معلق، وقد وصله مسلم عن أحمد بن يونس عن فضيل. قوله (أن يهوديا جاء) في رواية علقمة " جاء رجل من أهل الكتاب " وفي رواية فضيل بن عياض عند مسلم " جاء حبر " بمهملة وموحدة، زاد شيبان في روايته " من الأحبار". قوله (فقال يا محمد) في رواية علقمة " يا أبا القاسم " وجمع بينهما في رواية فضيل. قوله قوله (والشجر على إصبع) زاد في رواية علقمة " والثرى " وفي رواية شيبان " الماء والثرى " وفي رواية فضيل بن عياض " الجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع". قوله (والخلائق) أي من لم يتقدم له ذكر، ووقع في رواية فضيل وشيبان " وسائر الخلق " وزاد ابن خزيمة عن محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش فذكر الحديث، قال محمد عدها علينا يحيى بإصبعه وكذا أخرجه أحمد بن حنبل في " كتاب السنة " عن يحيى بن سعيد وقال: وجعل يحيى يشير بإصبعه يضع إصبعا على إصبع حتى أتى على آخرها، ورواه أبو بكر الخلال في " كتاب السنة " عن أبي بكر المروزي عن أحمد. وقال: رأيت أبا عبد الله يشير بإصبع إصبع، ووقع في حديث ابن عباس عند الترمذي " مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا يهودي حدثنا فقال كيف تقول: يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه " وأشار " أبو جعفر " يعني أحد رواته بخنصر أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام، قال الترمذي حديث حسن غريب صحيح ووقع في مرسل مسروق عند الهروي مرفوعا نحو هذه الزيادة. قوله (ثم يقول أنا الملك) كررها علقمة في روايته وزاد فضيل في روايته " قبلها ثم يهزهن". قوله (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية علقمة " فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك " ومثله في رواية جرير ولفظه " ولقد رأيت". قوله (حتى بدت نواجذه) جمع ناجذ بنون وجيم مكسورة ثم ذال معجمة وهو ما يظهر عند الضحك من الأسنان وقيل هي الأنياب وقيل الأضراس وقيل الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق، زاد شيبان بن عبد الرحمن " تصديقا لقول الحبر " وفي رواية فضيل المذكورة هنا " تعجبا وتصديقا له " وعند مسلم " تعجبا مما قال الحبر تصديقا له " وفي رواية جرير عنده " وتصديقا له " بزيادة واو، وأخرجه ابن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور " حتى بدت نواجذه تصديقا لقوله " وقال ابن بطال لا يحمل ذكر الإصبع على الجارحة بل يحمل على أنه صفة من صفات الذات لا تكيف ولا تحدد " وهذا ينسب للأشعري " وعن ابن فورك يجوز أن يكون الإصبع خلقا يخلقه الله فيحمله الله ما يحمل الإصبع، ويحتمل أن يراد به القدرة والسلطان، كقول القائل ما فلان إلا بين إصبعي إذا أراد الإخبار عن قدرته عليه، وأيد ابن التين الأول بأنه قال على إصبع ولم يقل على إصبعيه، قال ابن بطال: وحاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله على جميعها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا له وتعجبا من كونه يستعظم ذلك في قدرة الله تعالى، وأن ذلك ليس في جنب ما يقدر عليه بعظيم، ولذلك قرأ قوله تعالى وهذا الذي نحا إليه أخيرا أولى مما ابتدأ به لما فيه من الطعن على ثقات الرواة ورد الأخبار الثابتة، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظن للزم منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل وسكوته عن الإنكار وحاشا لله من ذلك، وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار، فقال بعد أن أورد هذا الحديث في " كتاب التوحيد " من صحيحه بطريقه، قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكا، بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته، وقد وقع الحديث الماضي في الرقاق عن أبي سعيد - رفعه " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته " الحديث، وفيه أن يهوديا دخل فأخبر بمثل ذلك فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ثم ضحك.
|